وقفت ريما أمام المرآة تضع أحمر الشفاة الصارخ ماركة كريستيان ديور !! كانت تدندن بأغنية بوب سمعتها البارحة في برنامج TOP 10...!! لبست ساعة شوبارد في معصمها .. ووضعت مثبت التسريحة بعد أن أنهت تصفيف شعرها على طريقة سيندي كروفورد ..!!
نادت عليها أمها : ريما your driver is waiting !!
ردت ريما : ok mommy ! i am coming soon !! ...
لبست كعبها العالي من فرساتشي ! ثم خرجت ..آه لقد نسيت !..عادت لتحمل شنطة يدها ماركة لويس فيتون .. ثم خرجت مرة أخرى..آه كدت أنسى !..عادت مرة أخرى ... وضعت ذلك العطر الأخّاذ... عطر ألور شانيل ! ثم استشرفت !! ركبت مع السائق الذي أخذ به ذلك العطر كل مأخذ ! وأجال ببصره فيها بإمعان !!
كانت سعيدة بهذه النظرة فهي تذكرها بتلك الدعاية الفضائيّة لذلك العطر الذي كانت تضعه تلك المرأة التي ما إن تمر على أحد من الرجال إلا وأخذت بعقله !! كانت فرحة بتلك النظرة !! قال السائق : إلى أين يا سيدتي ؟؟ قالت : إلى مبنى التلفزيون !..فسوف يكون هناك حوار فضائي ...وسأكون من ضمن الحضور ... سارت السيّارة على الطريق البحري ...أمرت ريما السائق أن يضع شريطها المفضل للمطرب prince وأغنية silly girl على وجه الخصوص !!!!
مرت السيّارة على طريق الشاطىء .. نظرت ريما للبحر .. وتذكرت حين كانت تتمشى على شواطىء المونت كارلو بالبيكيني! في الصيف الماضي !! زفرت المسكينة زفرات ... وصلت السيارة الى المبنى قبل الوقت المحدد بدقائق ! دخلت ريما الصالة وبحثت لها عن مقعد..! لكنه لم تجد إلا واحداً بجانب فتاة محجبة !! اشمأزت أن تظهرها الكاميرا وبجانبها هذه المحجبة ! ذات الكيس الأسود ! والخيمة الغريبة ! لكنها خضعت للأمر الواقع ! وجلست ! كان عنوان الندوة : الغزو الفكري بين الحقيقة والخيال !!!...بدأ الحوار.. تكلم الطرف الأول .. وكان شيخاً !..ذكر أدلة ثبوت الغزو الفكري من نقولات الغربيين أنفسهم... ومحاولاتهم الكثيرة لدّك حصون الهوية الدينيّة والثقافيّة والسياسية .. وسحق كل الثوابت
التي تقف حجر عثرة في سبيل هيمنة الرجل الأبيض !! كانت ريما تنظر الى الشيخ بقرف ..! وتتمتم: لا أظن أن هذا الشيخ حصل على تعليماً أكثر من الإبتدائيّة !!..فهو يمثل قمة التخلف والعنجهيّة والتزوير .. والكذب !!!
انتهى الشيخ ..فقالت المذيعة ذات الشعر الأشقر : هل من تعليق من الجمهور ؟؟ كانت ريما فتاة مبادرة جريئة ! لم تستطع أن تصد لسانها أن يقول : نعم أنا عندي تعليق إذا سمحتم ..قالت المذيعة : تفضلي أمام المايكروفون .. وقفت ريما أمام المايكروفون وقالت بديموقراطيّة مفتعلة : أخي الشيخ المحترم .. أرى أن وجهة نظرك خاطئة ! فلا يوجد غزو فكري ولا هم يحزنون .. إنما هو صراع حضارات ! والبقاء للأقوى ! كما قال تعالى (فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) !!.. ثم لماذا الخوف على الإسلام ؟ لماذا الخوف على عاداتنا وتقاليدنا ؟؟ فالدين والعادات والتقاليد ما زالت قويّة في القلوب ولها اليد الطولى في المجتمع !! ثم لماذا الخوف من الغرب ؟ أليس الغرب من أخرج لنا بترولنا ؟ أوليس الغرب من صنع القمر الصناعي .. والطائرة .... والسيّارة ؟؟ كانت المحجبة لا تنظر إلى ريما لإحساسها بالحرج من لباس ريما الذي كان يكشف أكثر مما يستر !! أنهت ريما مداخلتها بتأكيدها : أن لا غزو فكري ولا يحزنون .. عادت ريما إلى مقعدها مزهوةً بنفسها ! شامخةً بأنفها ! نظرت الى المنقبة بإحتقار فردت المنقبة بإبتسامة عذبة ....
جلست ريما بعد أن عدّلت من الميني جيب الذي تلبسه ليستر بعد جلوسها ما كان يكشفه قبل ذلك !..انتقل الحوار الى الطرف الآخر..الذي لم يأت بجديد ! كان كل ما قاله قد ذكرته ريما تماماً ... حين انتهى ..قالت المذيعة : والآن مع مداخلة الدكتورة أمل !! نظرت ريما حولها بفرح لترى هذه الدكتورة ! وهي تقول لنفسها : دكتورة !إذن انتصرنا على هؤلاء المتخلفين الرجعيين !!..قامت المنقبة ...فقالت لها ريما بصوت خافت :..هكذا أنتنّ أيتها المتخلفات ..!
إذا وصلت الدكتورات هربتنّ !! إذا دخل العلم من الباب خرج الجهل من النافذة !! لما لا تنتظري حتى تسمعي الدكتورة أمل .. ثم رمقتها بنظرة استهجان قابلتها المنقبة بإبتسامة عذبة أخرى !!.. مضت المنقبة الى جهة المايكروفون !!..
نظرت ريما مشدوهة !..أيعقل هذه ؟؟ لا أكاد أصدق عينيّ ! أهي الدكتورة ؟؟ وجمت ريما في مكانها مشدوهة !! بدأت الدكتورة ..فأوضحت بإسلوب عقلاني منطقي واضح أن التطور الغربي للأشياء هو تراث أنساني مباح ينبغي علينا الأخذ به والعمل على مواكبته ..أمّا الأفكار والتصورات والعقائد فشأنها آخر !..فديننا ولله الحمد ... بيّن .. واضح ... سهل .. جميل.. وفكرنا وثقافتنا إنما تنبعان من ثوابتنا لا ثوابت غيرنا .. ولسنا في ذلك بدعاً من الأمم ...فهذا شأن الأمم جميعاً .. !
ولا يستطيع أي عاقل كائناً من كان أن ينكر محاولة الغرب تذويب وطمس الهويّة الإسلاميّة والعربيّة للشعوب قسراً...
يستعمل في سبيل ذلك كل وسيلة ممكنة .. ساعةً بالطابور الخامس من العلمانيين الخونة .. وأخرى بأصحاب المنافع الدنيويّة .. وأخرى بأساليب التهديد والترويض المعروفة ..فيجب أن نعلم ابتداءً أننا محاربون ! وأن حصوننا مهددة !
كانت الدكتورة أمل رائعةً في ذلك اليوم ..كانت تلقي بزهور المعرفة على الحضور.. وأطايب الكلام على الجمهور.. بحجج راسخة .. وعزيمة قويّة ... وثبات أخّاذ ..!
كانت المذيعة بين الفينة والأخرى لا تملك نفسها من أن تقول : رائع .. رائع .. . برافو.. برافو ...
أنهت الدكتور أمل حديثها بقوله : وتذكروا أن الحروب القادمة هي حروب هويّة ..فلنبدأ من الهويّة
...فلنبدأ من الهويّة !
صفق الحضور كثيراً لهذه المداخلة الجميلة وهذا الحضور الذهنيّ الوقّاد لهذه الدكتورة .. وقف الكل احتراماً لها ... رفعت الدكتورة أمل رأسها للسماء وقالت : الحمدلله ..الحمد لله .. كانت ريما تنظر ببصرها للأسفل ... كانت ريما الوحيدة التي لم تقف !